أمل ممدوح
لم يزل سيزيف حاملا للصخرة .. ولم يزل الثور”مينوتور” يبتلع زائريه في متاهته، هاتين الأسطورتان الإغريقيتان اللتان تغذيان الرؤية العبثية التي نبعت بالأساس من الفلسفة الوجودية؛ أن تعلق بمكانك فتناضل لتنجو فإذا بك حيث بدأت، كفخ لا ينتهي، بهذا المضمون يدور الفيلم المصري القصير “محاصر”، الذي عرض في الدورة 35 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط.

يأخذك الفيلم مع بدايته فورا للحدث، الذي يبدو عابرا لكنه يكون كل الحدث، تداهمك موسيقى مقطع الهابانيرا من أوبرا كارمن لبيزيه مع أول لقطات الفيلم، موسيقى مبهجة لكنها تتسم بالتكرار، ومحل مبهم بلا عنوان لكنه أنيق ذو طراز كلاسيكي تثبّت عليه الصورة، لتخرج منه فتاة حاملة أكياسا وحقائب شرائية، ليتصادف مرور شاب يسير أمام المحل بمرح ممسك بهاتفه المحمول وسماعاته في أذنيه، فيصطدم بالفتاة غير منتبه مكملا طريقه، لتنتقل الصورة لحركة أقدامه ثم نفاجأ بمروره عند نفس المكان، لكنه لا ينتبه إلا مع التكرار الثالث لهذه الحالة الحلزونية، التي تتكرر مرات ومرات يتصاعد فيها رد فعله، فيغير مرة الاتجاه وأخرى يكمل طريقه على أمل متجدد للإفلات، يظل بين اليمين واليسار في خط مستقيم لكنه دائري في حقيقته كعبثية الحياة، يوصله لنفس النقطة، يخترقه مرة فيمشي للأمام ليجد نفسه يخرج من المحل لنفس مكانه، لقد وقع في شرك، يتذمر.. يتمرد.. يغضب.. يركل أشياءه، ولا يتغير شيء، حتى إذا جلس يائسا التقى من جديد بالفتاة الأولى، فتمد يدها له تقتاده وراءها، كما “أريادني” التي أحبت ثيسيوس ومدته بخيط الخروج من متاهة مينوتورسابقة الإشارة في الأسطورة الإغريقية، قد يكون القدر أسقطه في هذه المتاهة ليلقى قدره وحبه، فقد ثبتت الصورة على المحل الفخ دون أن يمر به من جديد، ربما نجا، حتى أن التتر بدأ في الظهور، لكن بطلنا يظهر من جديد في نفس المكان … يأخذنا الفيلم لفكرته العميقة ببساطة، ويخدعنا تأكيدا لفكرته، كعبثية ساخرة تبتلع حياتنا ولا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، في حوالي ثلاث دقائق مختزلة للكثير بحس مرح وقالب فانتازي، بإيقاع متدفق وحركة منضبطة وسيناريو جيد بسلاسة كبيرة، فالحدث العابر ابتلع هذا الشاب العالق به وبالزمن، في حبكة دائرية، تفتح أقواس فلسفة عبثية أو حالة من حالات “الكارما” ربما التي تبقيك حيث أنت، يستمر مقطع الموسيقى نفسها لآخر لحظات الفيلم، فقط قد تعلو أو تخفت أو تتباطأ بحسب حالات البطل، بشكل يثري الإيقاع رغم ثبات المقطوعة واستمرارها، كتكرارية مقصودة ومتسقة دراميا بشكل شديد التوفيق، وفي ظل الحدث الواحد والمنظر الثابت المقصودين، استطاع الفيلم إيجاد منافذ إيقاعية تغذي سيزيفية الحدث أيضا، كتغيير الاتجاهات والحالة الموسيقة، وأداء البطل “شيفين فيرما” الذي كان قوي الحضور جيد الأداء بخفة روح، مع مكان جيد الاختيار وتصوير سلس محكم، لفيلم واضح الرؤية بعمق فني وبساطة.
English Name : Trapped
Leave a comment